سورة لقمان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)}
{لاَّ يَجْزِى} لا يقضي عنه شيئاً. ومنه قيل للمتقاضي: المتجازي. وفي الحديث في جذعة بن نيار: «تجزِي عنكَ ولا تجزِي عنْ أحدٍ بعدَك» وقرئ: {لا يجزئ} لا يغني. يقال: أجزأت عنك مجزأ فلان. والمعنى: لا يجزى فيه، فحذف. {الغرور} الشيطان. وقيل: الدنيا وقيل: تمنيكم في المعصية المغفرة.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: الغرّة بالله: أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة. وقيل: ذكرك لحسناتك ونسيانك لسيئاتك غرة. وقرئ بضم الغين وهو مصدر غره غروراً، وجعل الغرور غارًّا، كما قيل: جدّ جدّه. أو أريد زينة الدنيا لأنها غرور.
فإن قلت: قوله: {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه.
قلت: الأمر كذلك؛ لأنّ الجملة الإسمية أكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله: {هُوَ} وقوله: {مَوْلُودٌ} والسبب في مجيئه على هذا السنن: أنّ الخطاب للمؤمنين وعليتهم: قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلي، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم: أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئاً؛ فلذلك جيء به على الطريق الآكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه، لم تقبل شفاعته، فضلاً أن يشفع لمن فوقه من أجداده؛ لأنّ الولد يقع على الولد وولد الولد؛ بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك.


{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)}
روي: أنّ رجلاً من محارب وهو الحارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرني عن الساعةِ متَى قيامُها، وإنّي قد ألقيتُ حباتِي في الأرض وقدْ أبطأتُ عنَّا السماءُ، فمتَى تمطرُ؟ وأخبرنِّي عنِ امرأتِي فقدْ اشتملتْ ما في بطنِها، أذكرُ أمْ أنثى؟ وإنِّي علمْتُ ما علمْتُ أمس، فما أعملُ غداً؟ وهذا مولدِي قد عرفتُه، فأينَ أموتُ؟ فنزلَتْ وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مفاتحُ الغيبِ خمسٌ» وتلا هذه الآية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب، إياكم والكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك والشرك وأهله في النار.
وعن المنصور أنه أهمه معرفة مدّة عمره، فرأى في منامه كأن خيالاً أخرج يده من البحر وأشار إليه بالأصابع الخمس، فاستفتى العلماء في ذلك، فتأوّلوها بخمس سنين، وبخمسة أشهر، وبغير ذلك، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله: تأويلها أنّ مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، وأن ما طلبت معرفته لا سبيل لك إليه {عِندَهُ عِلْمُ الساعة} أيان مرساها {وَيُنَزّلُ الغيث} في إبانه من غير تقديم ولا تأخير، وفي بلد لا يتجاوزه به {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام} أذكر أم أنثى، أتام أم ناقص، وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} برّة أو فاجرة {مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من خير أو شر، وربما كانت عازمة على خير فعملت شراً. وعازمة على شر فعملت خيراً {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} أين تموت، وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت: لا أبرحها وأقبر فيها. فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها، ولا حدّثتها به ظنونها.
وروي أنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه، فقال الرجل من هذا؟ قال: ملك الموت، فقال: كأنه يريدني. وسأل سليمان أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند، ففعل. ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظري إليه تعجباً منه، لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. وجعل العلم لله والدراية للعبد. لما في الدراية من معنى الختل والحيلة. والمعنى: أنها لا تعرف- وإن أعملت حيلها- ما يلصق بها ويختص ولا يتخطاها، ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما، كان من معرفة ما عداهما أبعد. وقرئ: {بأية أرض}. وشبه سيبويه تأنيث (أي) بتأنيث كل في قولهم: كلتهن.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ سورَة لقمان كانَ له لقمانُ رفيقاً يومَ القيامةِ وأُعطي من الحسناتِ عشراً عشراً بعدد منْ عمل بالمعروفِ ونهَى عن المنكر».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7